تحتل بحوث الطفل الحيز الكبير وموقع الصدارة بين مجمل البحوث والدراسات التي تتناول المجتمع بكافة فئاته العمرية نظرا لما تشكله هذه الفئة من عالم قائم بذاته لا يمكن اكتشافه إلا بالدراسة والبحث الدقيقين.
وهنا من خلال هذا البحث نحاول تقصي ما توصلت إليه هذه الدراسات حول السبل والوسائل التي نستطيع من خلالها تنمية الذكاء والقدرات الإبداعية الموجودة لدى أطفالنا ومحاولة صقلها وتهيئة البيئة المناسبة لانطلاقها , حيث وجد أن هناك أنشطة تؤدي بشكل رئيسي إلى تنمية ذكاء الطفل وتساعده على التفكير العلمي المنظم وسرعة الفطنة والقدرة على الابتكار.
أبرزها والتي تبدأ مع الطفل منذ الاشهر الاولى لولادته وهي أن حنان الأمهات و اهتمامهم بالأطفال يساعد على رفع درجة ذكائهم وزيادة مهارة القراءة والذاكرة لديهم .. هذا ما أكدته دراسة طبية حديثة حيث وجد العلماء في الدراسة التي نشرتها مجلة "الطبيعة" أنه حتى الأطفال الذين يولدون لأمهات متهاونات في إعطاء الحنان قد يطوّرون القدرات الدماغية إذا تم إرضاعهم من أمهات مهتمات وحنونات، مشيرين إلى أن إحساس الطفل بأمه يزيد حجم منطقة "الهايبوكامباس" في دماغه، تلك المنطقة المسؤولة عن الذاكرة والتعلم الحيِّزي, كذلك تلعب البيئة الاسرية للطفل قبل دخوله المدرسة دور كبير في تنمية ذكاءه فمثلا تعويده على القراءة من الأمور الهامة باعتبارها الوسيلة الرئيسية لأن يستكشف الطفل البيئة من حوله،والأسلوب الأمثل لتعزيز قدراته الإبداعية الذاتية،وتطوير ملكاته استكمالاً للدور التعليمي للمدرسة و القراءة هي عملية تعويد الأطفال كيف يقرأون ؟ وماذا يقرأون ؟
و أن نبدأ العناية بغرس حب القراءة أو عادة القراءة والميل لها في نفس الطفل منذ بداية معرفته للحروف والكلمات،ولذا فمسألة القراءة مسألة حيوية بالغة الأهمية لتنمية ثقافة الطفل،فعندما نحبب الأطفال في القراءة نشجع في الوقت نفسه الإيجابية في الطفل ،وهي ناتجة للقراءة من البحث والتثقيف،فحب القراءة يفعل مع الطفل أشياء كثيرة ،فهو يفتح الأبواب أمامهم نحو الفضول والاستطلاع ،وينمي رغبتهم لرؤية أماكن يتخيلونها،ويقلل مشاعر الوحدة والملل ، يخلق أمامهم نماذج يتمثلون أدوارها،وتغير القراءة أسلوب حياة الأطفال.
فكل طفل يكتسب عادة القراءة يعني أنه سيحب الأدب واللعب ، وسيدعم قدراته الإبداعية والابتكارية باستمرار، وهي تكسب الأطفال كذلك حب اللغة،واللغة ليست وسيلة تخاطب فحسب,بل هي أسلوب للتفكير ويشير الدكتور صالح النصار في كتابه (تعليم الأطفال القراءة – دور الأسرة والمدرسة) إلى النتيجة التي وصلت إليها دراسة بوتر وكلاي في معرفة دور البيت والمدرسة في كيفية تعلم الأطفال القراءة، ووصلت الدراسة إلى أن هنالك كماً هائلاً من البحوث العلمية التي تدعم وجهة النظر القائلة بأن اتصال الطفل بالكتب والمواد المطبوعة في البيت قبل التحاقه بالمدرسة لها تأثير كبير على نموه المعرفي بعد التحاقه بها}.
ويمكن للأطفال أن يحبوا القراءة حتى قبل أن يتعلموها، فيزداد تعلق الأطفال بالقراءة إذا أصبح وقت القراءة وقتاً مفعماً باللهو والمرح لهم. فمشاركة الأبناء في القراءة من أهم الوسائل في هذا السن لجعل الكتاب الصديق المحبب لهم فيحبون النظر إليه والإطلاع عليه ،، ومن ثم التعود على القراءة باعتبارها أمراً أساسياً في الحياة كما أن الكتاب العلمي لطفل المدرسة يمكن أن يعالج مفاهيم علمية عديدة تتطلبها مرحلة الطفولة ، ويمكنه أن يحفز الطفل على التفكير وأن يجري بنفسه التجارب العلمية البسيطة، فالكتاب العلمي هو وسيلة لأن يتذوق الطفل بعض المفاهيم العلمية وأساليب التفكير الصحيحة والسليمة، وتنمية الاتجاهات الإيجابية للطفل نحو العلم والعلماء إذا قدم هذا الكتاب بشكل جيد ، بحيث يكون جيد الإخراج مع ذوق أدبي ورسم وإخراج جميل،وهذا يضيف نوعاً من الحساسية لدى الطفل في تذوق الجمال للأشياء،فهو ينمي الذاكرة ، وهي قدرة من القدرات العقلية.
ولنشاطات الطفل داخل المدرسة وخارجها إسهام في الذكاء المرتفع ،وهو ليس مادة دراسية منفصلة عن المواد الدراسية الأخرى،بل إنه يتخلل كل المواد الدراسية، وهو جزء مهم من المنهج المدرسي بمعناه الواسع (الأنشطة غير الصفية) الذي يترادف فيه مفهوم المنهج والحياة المدرسية الشاملة لتحقيق النمو المتكامل للتلاميذ ،وكذلك لتحقيق التنشئة والتربية المتكاملة المتوازنة ، كما أن هذه الأنشطة تشكل أحد العناصر الهامة في بناء شخصية الطالب وهي تقوم بذلك بفاعلية وتأثير عميقين لأطفالنا .. فمثلاً ألعاب تنمية الخيال من الوسائل المنشطة لذكاء الطفل وتوافقه فالأطفال الذين يعشقون اللعب التخيلي يتمتعون بقدر كبير من التفوق، كما يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء والقدرة اللغوية وحسن التوافق الاجتماعي، ولديهم قدرات إبداعية متفوقة، لهذا يجب تشجيع الطفل على مثل هذا النوع من اللعب كما أن للألعاب الشعبية كذلك أهميتها في تنمية وتنشيط ذكاء الطفل،لما تحدثه من إشباع الرغبات النفسية والاجتماعية لديه وتعوده على التعاون والعمل الجماعي ولكونها تنشط قدراته العقلية بالاحتراس والتنبيه والتفكير الذي تتطلبه مثل هذه الألعاب ..لذا يجب تشجيعه على مثل هذا .
- كذلك لرسوم الأطفال وظيفة تمثيلية،تساهم في نمو الذكاء لديهم فبالرغم من أن الرسم في ذاته نشاط متصل بمجال اللعب، فهو يقوم في ذات الوقت على الاتصال المتبادل للطفل مع شخص آخر ،إنه يرسم لنفسه،ولكن تشكل رسومه في الواقع من أجل عرضها وإبلاغها لشخص كبير،وكأنه يريد أن يقول له شيئاً عن طريق ما يرسمه،وليس هدف الطفل من الرسم أن يقلد الحقيقة،وإنما تنصرف رغبته إلى تمثلها، ومن هنا فإن المقدرة على الرسم تتمشى مع التطور الذهني والنفسي لديه،وتؤدي إلى تنمية تفكيره وذكائه وإن هذه السبل من رسم وقراءة وغيرها من النشاطات التي تتطلب من الطفل إعمال تفكيره بها لا تنفصل بأي شكل من الأشكال بالنشاط البدني والتربية البدنية وهي وإن كانت إحدى الأنشطة المدرسية،إلا أنها هامة جداً لحياة الطفل ,حيث تزيل الكسل والخمول من العقل والجسم وبالتالي تنشط الذكاء،ولذا كانت الحكمة العربية والإنجليزية أيضاً ،التي تقول ( العقل السليم في الجسم السليم)دليلاً على أهمية الاهتمام بالجسد السليم عن طريق الغذاء الصحي والرياضة.
- فالممارسة الرياضية في وقت الفراغ من أهم العوامل التي تعمل على الارتقاء بالمستوى الفني ومن الناحية العلمية، فإن ممارسة النشاط البدني تساعد على التوافق السليم والمثابرة وتحمل المسؤولية والشجاعة والإقدام والتعاون،وهذه صفات هامة تساعد على تفوق الطفل دراسيا ,ويذكر د. حامد زهران في إحدى دراساته عن علاقة الرياضة بالذكاء والإبداع والابتكار(إن الابتكار يرتبط بالعديد من المتغيرات مثل التحصيل والمستوى الاقتصادي والاجتماعي والشخصية وخصوصاً النشاط البدني بالإضافة إلى جميع المناشط الإنسانية،ويذكر دليفورد أن الابتكار غير مقصور على الفنون أو العلوم،ولكنه موجود في جميع أنواع النشاط الإنساني والبدني.
فالمناسبات الرياضية تتطلب استخدام جميع الوظائف العقلية ومنها عمليات التفكير،فالتفوق في الرياضات (مثل الجمباز والغطس على سبيل المثال) يتطلب قدرات ابتكارية،ويسهم في تنمية التفكير العلمي والابتكاري والذكاء لدى الأطفال والشباب.
- فالمطلوب الاهتمام بالتربية البدنية السليمة والنشاط الرياضي من أجل صحة أطفالنا وصحة عقولهم وتفكيرهم وذكائهم .
ولمسرحيات الأطفال دوراً هاماً في تنمية ذكاء الطفل وهذا الدور ينبع من أن (استماع الطفل إلى الحكايات وروايتها وممارسة الألعاب القائمة على المشاهدة الخيالية،من شأنها جميعاً أن تنمي قدراته على التفكير،وذلك أن ظهور ونمو هذه الأداة المخصصة للاتصال- أي اللغة - من شأنه إثراء أنماط التفكير إلى حد كبير ومتنوع، وتتنوع هذه الأنماط وتتطور أكثر سرعة وأكثر دقة.
- ومن هذا فالمسرح قادر على تنمية اللغة وبالتالي تنمية الذكاء فهو يساعد الأطفال على أن يبرز لديهم اللعب التخيلي، وبالتالي يتمتع الأطفال الذين يذهبون للمسرح المدرسي ويشتركون فيه، بقدر من التفوق و بدرجة عالية من الذكاء،والقدرة اللغوية،وحسن التوافق الاجتماعي،كما أن لديهم قدرات إبداعية متفوقة .
- حيث تسهم مسرحية الطفل إسهاما ملموسا وكبيرا في نضوج شخصية الأطفال فهي تعتبر وسيلة من وسائل الاتصال المؤثرة في تكوين اتجاهاتهم وميولهم وقيمهم ولذلك فالمسرح التعلمي والمدرسي هام جدا .وهي من الهوايات الهامة التي يمارسها الطفل حيث يرى الكثير من رجال التربية أن إفساح المجال للطفل في ممارسة هواياته ما بين كتابة شعر أو قصة أو عمل فني أو أدبي أو علمي وغيرها ، تؤدي إلى إظهار المواهب،فالهوايات تسهم في إنماء ملكات الطفل،ولا بد أن تؤدي إلى تهيئة الطفل لإشباع ميوله ورغباته واستخراج طاقته الإبداعية والفكرية والفنية.
-والهوايات إما فردية،خاصة مثل الكتابة والرسم وإما جماعية مثل الصناعات الصغيرة والألعاب الجماعية والهوايات المسرحية والفنية المختلفة. فالهوايات أنشطة ترويحية.
ولكنها تتخذ الجانب الفكري والإبداعي،وحتى إذا كانت جماعية،فهي جماعة من الأطفال تفكر معاً وتلعب معاً،وتحقق العمل الجماعي وهو بذاته وسيلة لنقل الخبرات وتنمية التفكير والذكاء ولذلك تلعب الهوايات بمختلف مجالاتها وأنواعها دوراً هاماً في تنمية ذكاء الأطفال،وتشجعهم على التفكير المنظم والعمل المنتج ،والابتكار والإبداع وإظهار المواهب المدفونة داخل نفوسهم كذلك تعتبر خير استثمار لوقت الفراغ لدى الطفل، وهو من الأسباب الهامة التي تؤثر على تطورات ونمو الشخصية ،ووقت الفراغ في المجتمعات المتقدمة لا يعتبر فقط وقتاً للترويح والاستجمام واستعادة القوى ،ولكنه أيضاً ،بالإضافة إلى ذلك، يعتبر فترة من الوقت يمكن في غضونها تطوير وتنمية الشخصية بصورة متزنة وشاملة.
من هنا نجد أن إفساح المجال للطفل لتنمية قدراته ومعارفه بتهيئة البيئة المناسبة له وإطلاق العنان لمكنوناته,يؤدي بالتالي إلىخلق جيل قادر على إدراك ما يدور في عالمه ومحاولة التفكير فيه والتفاعل الإيجابي معه كل ذلك يتم بتظافر جهود الأسرة والمدرسة.